-A +A
تركي العسيري
أفهم ولو بقدر خجول هذا الارتفاع المجنون الذي طال أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع الاخرى.. لمنطق قروي بسيط تعلمته.. مفاده: أن السلعة التي لاتملكها.. لا يمكنك أن تراهن عليها, أو تتحكم بسعرها! غير أن الذي لا أفهمه ولا أظن غيري سيفهمه هو سر هذا الارتفاع الجنوني في أسعار الأراضي والعقارات.. بحيث تحولت حفن التراب الصفراء الى ميدان خصب للتضييق على الناس ووأد أحلامهم في امتلاك قطعة أرض يقيمون عليها منازل تحتضن أسرهم عوضا عن جحيم الايجارات الجائرة.
تفسيري الوحيد لكل ما يحدث في سوق العقار هو جشع ملاك تلك المخططات السكنية, وعدم شعورهم بالمعاناة التي يعانيها بعض المواطنين من «الحالمين» بسكن لهم ولاسرهم.. خاصة ان 60% من سكان المملكة يسكنون بالايجار أو مع أسرهم.. كما أوردت الصحف قبل أيام وقد وصلتني بالمناسبة رسالة بالغة التهذيب من الأخ الدكتور «نايف بن حمزة السحلي» استشاري العقم والاخصاب.. يقترح عليّ طرح هذا الموضوع الذي يراه جديراً بالكتابة.. وبعد أن صادر «هوامير الأراضي» من ملاك المخططات أحلام الناس وأمانيهم من خلال شراء مساحات واسعة وبأثمان بخسة من أمانات المدن, ورفع اسعارها الى مستويات لاتطاق. لن اتحدث مع هؤلاء «التجار» حديثا عاطفيا ففي عالم «البزنس» لا مكان للعواطف والمثاليات.. لكنني اتساءل فقط عن المبرر في ارتفاع هذه الأراضي وبطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها جشعة وغير منطقية.
فالأراضي ليست سلعة زراعية أو بترولية أو استهلاكية.. إنها فضاء لاتكلف مالكها كثيرا.. ومن الملفت أنه ما إن تبرق في الأفق بارقة شؤم منذرة بارتفاع سعر سلعة ما.. حتى يسارع هؤلاء القوم الى شد الأحزمة استعدادا للطيران والتحليق.. ودون سابق انذار.
نحن لا نطالب اصحاب تلك المخططات التي اشتروها بطريقة أو بأخرى.. ان يقدموها لنا «منحا» أو هدايا, لكنني اطالبهم أن يتقوا الله فينا, وان يرضوا بالربح المعقول الذي سيباركه الله لهم.. بدلاً من ان يجعلوا من احلام «الغلابا» غولاً, وعنقاء, وخلا وفيا!
مواطنة التاجر وحنوه على أبناء بلده تظهر في الأزمات والشدائد لا في التبرعات والمهرجانات الاعلامية والاستعراضية. ونحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. أنه وهو الخبير العليم بعباده لم يكِل أمَر «آخرتنا» الى من لا يخافه فينا ولا يرحمنا من بني البشر.. لأنه رؤوف رحيم بعباده.

تلفاكس 076221413